الخرزة الزرقاء
16/03/2021 بواسطة أدباء
ترجمة لقصة الخرزة الزرقاء، قصص من ذاكرة
الخرزة الزرقاء
كان الوقت مساءً، امْذَقَرَّ اللبن في قدور السّماء، وانسكب في كنف الظلام، تثاءبت حقول القمح، واستلقت بجانب الطريق الترابي، وأجفل إمام الجامع بسعاله أمام مكبر الصوت، الأزقة الخاملة من النعاس، صفيق نعال الأطفال على الأرصفة، ألْهَبَ مسامع الجدران.
في ذلك المساء ككل مساء، بانت قامة أمي من الزقاق المجاور لبيتنا، وراحت تنادي:
– كفاكم لعبًا، دكن ثوب المساء، هيا ادخلوا البيت.
اقتفيتُ وإخوتي صوت أمي، تاركين طريق الإسفلت في عهدة الصّخب، ولعبة ( القيله).
أثناء الركض نحو المنزل، كان عنقي الشّقي يلتوي نحو الخلف، أراقب قطعة الخشب الصغيرة، تطير نحو الأعلى، لأعرف أين ستستقر.
في عتبة المنزل، ملأت أمي طستها النحاسي بالماء، وبدأت تنظفنا من الأتربة والأوساخ، وبدأنا كسربٍ من الدجاج، ننصت للصمت في خمّ الليل، وبدأت السنونوات تنقر نسيج ذلك الصمت، وتقرأ على أعمدة السقف قصص ترحالها في الجنوب.
كانت الوسادة المحشوة بنخالة القمح، فارغة من مقعرات يتركها مرفق والدي من وطأة الإتكاء، والبيت خالٍ من صوت وعيده والزجرات.
وحدها النافذة تراقب الافق من ثقوب المنخل، وهو يحرك ذيله الفضي، ويخدّر نول نيسان ليتوقف عن الحراك.
التفَّت ألسنة اللهب في المدفأة في عناق مسعور، مرَّت أمي قرب النافذة قادمة من المطبخ، وضعت يدها على فمها وصرخت بخوف:
– هناك زوج من الأفاعي السوداء، انتصب كلاهما على الذيل، يتقاتلان بشراسة على مصطبة الدار، ماذا أفعل وممن أستعين؟
كانت جدتي تجلس قرب المدفأة، هزّت جسدها وفغرت فمها ….حقًا..؟
حاصرتني دهشة، عُجنت بدقيق الخوف، واندفعتُ كيعلولٍ ربيعي نحو النافذة، لأشهد المعركة، لكني أمي منعتني و دفعتني وراءً، وتحدثت جدتي مرة أخرى تعطي توجيهاتها لأمي:
– ضعي شعرك في فمك، ونادي على الجيران، سيأتي أحدهم ويقتل هذين اللعينين.
لم تكذب أمي خبرا، ورأيتها تضع نهاية ضفيرتها في فمها، وتصرخ على ابن جيراننا:
– يا محمد، يا محمد..
لبى ذلك الشاب نداء أمي، ومكث لبعض الوقت، حتى مزق رأس الثعبانين.
تدخل صوت جدتي المبحوح مرة أخرى وهي تحرك عكازها تارة، وأخرى تلمسه بحنو وهدوء:
– هذا القتال على الخرزة الزرقاء، فهي موجودة في حنجرة احدهما، لن تنتهي الحرب حتى ينتزع أحدهما الخرزة الزرقاء.
فقط تلك الليلة ، في ثقوب الوحدة، رفقة نقيق الضفادع ونباح الكلاب، بقيت مشردة دون قصص، تهيمُ على وجهها في البراري، حتى قطعت سرة درب التبان.
بعد أن فرّغنا آنية الألمنيوم من حساء الثوم وفتيت الخبز البائت، بدأت أمي تمد فُرُش النوم، اختبأتُ تحت دثار الخوف، وبدأ فتيل مصباح الكاز المشتعل، يوقظ في رأسي الصغير، ذو الأعوام الخمس،أسرار ومخاوف جبل الكرد، و لفّني مغزل الاساطير على قامته، وطحن رغبتي في رؤية الخرزة الزرقاء، وبدأت ملائكة النوم بتمسيد قدمي، وألبستْ أحلامي ثوبًا أبيضًا، ووضعت الخرزة الزرقاء في راحتي الصغيرة، وخلف أجفان الظلام وضعتني في قارب ورقي، وإلى هذا اليوم مازلت انا وذلك الحلم بانتظار الفجر لنستيقظ.
القيله: لعبة قوامها عصا متينة متوسطة الطول،وقطعة خشب صغيرة بطول الشبر، كنا نضع تلك الصغيرة على حجرة، ونضرب احد طرفيها بالعصا الكبيرة لتحلق للأعلى، وتبدأ الضربة الثانية من مستقر الخشبة الصغيرة، كان عليك أن تنفذ ضربتك مهما كان مكانها عصيا سيئا..وهكذا دواليك نتحرك ونتنقل من مكان لآخر على طول الشارع
مروى بريم
أرسلت فى Merwa Birîm | اكتب تعليقُا
أضف تعليق